أكثر ما عمق قضية حلايب وجعلها من القضايا المعلقة والمؤجلة، أننا تعاملنا مع القضية بعاطفية، وظننا وبعض الظن إثم أن الزمن كفيل بحلها، وأن عودة العلاقات بين السودان ومصر حقيق بإزالة ترسباتها، ومعالجة مضاعفاتها، وهكذا نحن في الجانب السوداني بكل حسن النية راهنا على عامل الوقت وعلى حسن الجوار وعلى العلاقة التي تجمع بين الأشقاء، ولا يمكن أن تنفصم عراها، وراهن الجانب المصري، بل عمل على تمصير حلايب، بدءاً بإتباعها إدارياً ومدها بالخدمات وبكافة المعينات، وبمصرنة مدارسها وثقافتها، وبحجبها عن الانتخابات وبقطع طريق وصول السودانيين اليها، هكذا ظل الحال لعشرين عاماً، حتى ظن أهل حلايب أنفسهم ، أن الوطن تخلى عنهم، ورضي بتبعيتهم للإدارة المصرية.
الذي جرى فى حلايب، ينبغي أن ينبهنا أن الحقوق لا مساومة عليها، وأن السيادة لا ينبغي التفريط فيها، وأن سودانية حلايب، لا شئ يلغيها غير الإهمال والنسيان والرهان على الزمن الذي ربما غير كل شئ وطوى معالم كل شئ.
ولم يدع أحد لامتشاق الحسام لاستعادة حلايب، فلا أحد يرضى أن يراق الدم على حواف حلايب ولا في مشارفها، أو عمقها، لكن لو أن مسؤولينا منذ العام 1958 ، أبعدوا القضية عن المشاعر العاطفية، و لم يربطوها بزعامات آنية، فحينها عندما استشاط عبد الله خليل رئيس الوزراء آنذاك، وأرسل كتيبة عسكرية الى حلايب، أدرك عبد الناصر زعيم القومية العربية حينها، أنه لا يمكن لمصر والسودان أن يدقا بينهما عطر منشم، عبد الناصر حينها كان مفعماً بالآمال العربية وبالمصير المشترك وحتمية الوحدة العربية، ومن ثم كان حريصاً ألا تخدش صورته، وألا تهزم أفكاره، وألا ينحر مشروع قوميته على أسوار حلايب، ولأجل ذلك احتوى الموقف بأعجل ما تيسر، وتدارك مواجهة كانت وشيكة.
ومنذ ذلك الحين، ظلت حلايب هدفا للرماة المصريين، متى ما اعتورت العلاقات خلافات، أو نشأت بينها معكرات، أو أحاطت بها نائبات، ولو أننا منذ ذلك التاريخ، لم نرم الجرح على فساد، وصعدنا به قانونياً، وانتهينا الى المؤسسات الأممية، لكنا أزلنا منذ وقت مبكر واحدة من منغصات العلاقة بين البلدين.
وكل الذي جنيناه من التأجيل أننا عمقنا القضية، وعامل الوقت ربما قضى على معالمها الأساسية، وليس عيباً حين يشتجر الخلاف بين الأشقاء أن يحتكموا للمؤسسات العدلية، وكذا فعلت مصر لاسترداد طابا، وكذا فعلنا نحن الاخوة السودانيين حين تنازعنا حول أبيى.
وفي كل مرة تحتج مصر، على كيف يجرؤ السودان على رفع قضية حلايب لمجلس الأمن، يأتي الاعتذار السوداني أن القضية مودعة في المجلس منذ العام 1958 ، وأنها تحرك بشكل روتيني كأن تحريكها عيباً، أو أمراً مخجلاً أو شائناً، مع أننا نعلم ومصر تعلم أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
صحيح أن أزمات كثيرة طوقت السودان في الفترة الماضية، أما وقد بات الوقت مواتياً، فليس من سبيل للكلام المعسول و(حلايب منطقة تكامل) إلا بعد الاعتراف بسودانيتها ورفع الوصاية عنها.
عبدالرحمن الأمين
صحيفة الحقيقة
الذي جرى فى حلايب، ينبغي أن ينبهنا أن الحقوق لا مساومة عليها، وأن السيادة لا ينبغي التفريط فيها، وأن سودانية حلايب، لا شئ يلغيها غير الإهمال والنسيان والرهان على الزمن الذي ربما غير كل شئ وطوى معالم كل شئ.
ولم يدع أحد لامتشاق الحسام لاستعادة حلايب، فلا أحد يرضى أن يراق الدم على حواف حلايب ولا في مشارفها، أو عمقها، لكن لو أن مسؤولينا منذ العام 1958 ، أبعدوا القضية عن المشاعر العاطفية، و لم يربطوها بزعامات آنية، فحينها عندما استشاط عبد الله خليل رئيس الوزراء آنذاك، وأرسل كتيبة عسكرية الى حلايب، أدرك عبد الناصر زعيم القومية العربية حينها، أنه لا يمكن لمصر والسودان أن يدقا بينهما عطر منشم، عبد الناصر حينها كان مفعماً بالآمال العربية وبالمصير المشترك وحتمية الوحدة العربية، ومن ثم كان حريصاً ألا تخدش صورته، وألا تهزم أفكاره، وألا ينحر مشروع قوميته على أسوار حلايب، ولأجل ذلك احتوى الموقف بأعجل ما تيسر، وتدارك مواجهة كانت وشيكة.
ومنذ ذلك الحين، ظلت حلايب هدفا للرماة المصريين، متى ما اعتورت العلاقات خلافات، أو نشأت بينها معكرات، أو أحاطت بها نائبات، ولو أننا منذ ذلك التاريخ، لم نرم الجرح على فساد، وصعدنا به قانونياً، وانتهينا الى المؤسسات الأممية، لكنا أزلنا منذ وقت مبكر واحدة من منغصات العلاقة بين البلدين.
وكل الذي جنيناه من التأجيل أننا عمقنا القضية، وعامل الوقت ربما قضى على معالمها الأساسية، وليس عيباً حين يشتجر الخلاف بين الأشقاء أن يحتكموا للمؤسسات العدلية، وكذا فعلت مصر لاسترداد طابا، وكذا فعلنا نحن الاخوة السودانيين حين تنازعنا حول أبيى.
وفي كل مرة تحتج مصر، على كيف يجرؤ السودان على رفع قضية حلايب لمجلس الأمن، يأتي الاعتذار السوداني أن القضية مودعة في المجلس منذ العام 1958 ، وأنها تحرك بشكل روتيني كأن تحريكها عيباً، أو أمراً مخجلاً أو شائناً، مع أننا نعلم ومصر تعلم أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
صحيح أن أزمات كثيرة طوقت السودان في الفترة الماضية، أما وقد بات الوقت مواتياً، فليس من سبيل للكلام المعسول و(حلايب منطقة تكامل) إلا بعد الاعتراف بسودانيتها ورفع الوصاية عنها.
عبدالرحمن الأمين
صحيفة الحقيقة