يومان فقط تبقت للانتخابات العامة في السودان ومازال المشهد السياسي يزداد غموضا وتعقيدا بلغت ذروته الخميس 8-4-2010 بانسحاب الشريك الرئيسي للمؤتمر الوطني في حكم السودان الحركة الشعبية من الانتخابات في الشمال تلاه حزب الامة، أكبر الاحزاب التقليدية في السودان، عندما أعلن انسحابه من الانتخابات بجميع مستوياتها.
وأعلن الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض مقاطعة الانتخابات في كافة مستوياتها تلبية لقرار مكتب الحزب السياسي. وقرار المقاطعة الذي يأتي قبل أيام من التصويت، قد يُلقي مزيداً من الشكوك على الانتخابات المرتقبة بعد انسحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان. ووضع حزب الأمة ثمانية شروط للمشاركة في الانتخابات، منها تأجيل الانتخابات أربعة أسابيع.
ورغم تعدد الانسحابات إلا أن السبب هو واحد: "عدم نزاهة وحرية الانتخابات". والقت حالة الارتباك هذه بظلالها على الناخب السوداني وعلى رغبته في المشاركة في أول انتخابات عامة منذ أكثر من 20 عاما بعد أن عقد عليها آمالا عريضة لإحداث التحول الديمقراطي بالبلاد.
الشارع السوداني.. تباين في الآراء
ومع تباين آراء الشارع السوداني حول مايحدث في الساحة السياسية، فهم متفقون في أن هذه التطورات تعد سابقة لم تشهدها البلاد من قبل.
وفي تصريح خاص للعربية.نت قال عبد الله عبيد، وهو صحفي عاصر جميع الانتخابات التي جرت في السودان منذ استقلاله، إن "أجواء الانتخابات في تجارب سابقة كانت هادئة جدا ولم تصل الصراعات السياسية بين الأحزاب في تلك الفترات الحد الذي وصلت اليه الان".
وأشار عبيد إلى أن التردد الحاصل من قبل بعض الأحزاب لم يكن موجودا في الماضي، وقال "الأحزاب كانت معدودة في تلك الفترة أبرزها الاتحادي الديمقراطي والامة والشيوعي"، وأضاف "كانت المعارك السياسية تخوضها الاحزاب فيما بينها بديمقراطية وعبر الادوات السياسية المعروفة".
ووصف عبيد ترشيح الأحزاب لشخص لرئاسة الجمهورية أو في دائرة معينه ثم تسحبه ثم إرجاعه مرة إخرى بأنها ظاهرة لم يشهدها السودان طوال تاريخه، وأوضح أن هذه الحالة "خلقت جوا متوترا جدا" وتوقع ان ينفر كثير من الناخبين من الاقتراع.
واستطلعت "العربية.نت" آراء عدد من الطلاب في الجامعات السودانية، وقال الطالب بجامعة الخرطوم هاشم آدم "نحن مستعدون للإدلاء بأصواتنا لكن الجو العام غير معروف ماذا يمكن يحمل من مفاجآة خاصة بعد الانسحابات التي حدثت أخيرا". وتوقع أن لا يكون هناك إقبال كبير على الاقتراع.
وأكدت زميلته بالمستوى الثالث بكلية الآداب بنفس الجامعة، أن "كثيرا من المواطنين حددوا موقفهم بالمشاركة في الاقتراع مسبقا" وتوقعت حدوث عنف بعد إعلان النتيجة النهايئة، لكنها قالت "لن يكون بالشكل الكبير وإن السلطات ستكون قادرة على التصدي له".
أما الطالب بجامعة "جاردن سيتي" كفاح محمد عثمان، فعبر عن إحساسه "الطيب تجاه الانتخابات" خاصة وأنهم كشباب "لأول مرة يشاركون في انتخابات عامة بالبلاد ويحسسنا بمدى أهمينتا في قضايا الوطن".
وأشار إلى ان نسبة تخوفه بحدوث أعمال عنف بلغت 50% بعد انسحاب عدد من الأحزاب من العملية الانتخابية.
إلا أن زميله أحمد أسامة اعتبر حالة الارتباك الحالية طبيعية تحدث في كل دولة أثناء فترة الانتخابات وقال إنه مطمئن للوجود الكبير لقوات الشرطة ولا يتوقع حدوث أعمال عنف.
لكن إحدى الطالبات رفضت ذكر اسمها، عبرت عن عدم رغبتها في المشاركة في عملية الاقتراع، مبررة ذلك بان النتيجة محسومة مسبقا. وقالت إنها خذلت في كثير من المرشحين التي كانت تأمل في الوقوف معهم ولكنهم انسحبوا.
وفي مداخلة ذكرت إحدى زميلاتها بالجامعة إنها كواحدة من جيل الثمانينات ترى أنه "لا بد من تغيير النظام الحالي" لكنها في نفس الوقت لم تخفي تخوفها من البديل القادم قائلة "ليس معروفا كيف سيكون شكل البديل الجديد" مشيرة لبعض الانجازات التي تحققت في ظل الحكم الحالي.
والمعروف إن السودان عرف الانتخابات قبل نيله الاستقلال حيث كانت أول انتخابات بالسودان في العام 1953 كما أجريت في الأعوام 58 ،64،86، والأن العام الحالي 2010.
والانتخابات الحالية تعد إحدى استحقاقات اتفاقية السلام الشامل بين الموتمر الوطني والحركة الشعبية التي وقعت في يناير من العام 2005 حيث سيجرى استفتاء لحق تقرير مصير جنوب السودان بعد أقل من عام من إجراء هذه الانتخابات .
الرئيس السوداني يعد بتنظيم انتخابات نزيهة
من جانبه، تعهد الرئيس السوداني عمر البشير بأن الانتخابات العامة التعددية الأولى منذ ربع قرن والتي تنظم الأسبوع المقبل ستكون نزيهة وحرة.
وقال البشير أثناء افتتاح المرحلة الأخيرة من مشروع محطة كهربائية على سد مروي صممتها شركة صينية في شمال السودان، إن "الانتخابات ستكون نظيفة وحرة ونزيهة ومثالية"، مؤكداً أن الانتخابات "عبادة لله".
وينظم السودان أول انتخابات تعددية منذ 1986 من 11 إلى 13 نيسان (أبريل) الجاري وتشمل انتخاب الرئيس والمجلس الوطني (البرلمان) والولاة ومجالس الولايات.
ويسعى الرئيس السوداني، الذي يحكم أكبر بلد إفريقي منذ 21 عاماً إلى الحفاظ على مصداقية الانتخابات بعد انسحاب حزبين رئيسيين منها وسحب مراقبي الاتحاد الأوروبي من الولايات الثلاث في إقليم دارفور المضطرب.
ولم يشر البشير إلى قرار الحركة الشعبية لتحرير السودان (متمردون جنوبيون سابقون) سحب مرشحها من الانتخابات الرئاسية وعدم المشاركة فيها بشمال السودان، ولا إلى مقاطعة حزب الأمة التاريخي للانتخابات بكافة مستوياتها.